لأبوظبي بريقها كوجهة للأعمال والاستثمار لدى القطاعات التجارية المحلية والإقليمية والدولية، وفي اشارة لا تخطئها العين للمشاهد بعينة أو المشاهد بعقلة أو المشاهد بقلبه، نراها تسير خطاها الهادئة الواثقة بعقل يدرك الغد بالاستباق نحو أهدافها الطموحة كنموذج عالمي يحتذى وفق رؤية أبوظبي 2030، يظاهرها في ذلك ما تتمتع به من تفرد و تنوع و خصوصية، بثقافة عربية تشكل الوجدان و القلم و اللسان تحفظ لها أصالتها وبنهل من المدنية الحديثة يضمن لها المعاصرة.
وإذ نرى العالم يمر بتحولات كبرى عميقة الأثر، تحولات تموج بقوة الاندفاع والتقدم والإبداع لتوفر مزيداً من الفرص التجارية والتدفقات الاستثمارية إضافة إلى زيادة مرونة ونطاق حركة السلع والخدمات وكذلك الأفراد عن أي وقت مضى، و حسب المعايير العالمية فقد توافرت لأبوظبي في اطار ذلك قواعد ازدهار اقتصادي أكسبها مكانة عالمية مرموقة كأحد أهم محركات النمو وبما يؤشر بانتقال مركز الثقل الاقتصادي.
و تملي علينا الممكنات العقلية والمنطقية أن الوسائل البديلة لفض المنازعات هي قرين مجتمع الاعمال المحلي والدولي على السواء، فهي من مستلزمات الاستثمار والنماء والسعي في الارض استباقا للخيرات وعلى رأس هذه الوسائل البديلة يأتي التحكيم الذي خرج من النصوص إلى الواقع وبات يقدم للمستثمر الأجنبي كمحفز وضمان بوصفه من ضرورات الانخراط في النظام التجاري العالمي.
فالتحكيم يعد الآن حتمية منطقية قبل أن يكون حتمية قانونية فهو من أشياء العصر وأدوات العولمة وهو لغة القضاء مستقبلا في منازعات التجارة والاعمال و الاستثمار، ففي جدلية التحكيم والقضاء لم يعد للمجتمع رفاهة الاختيار بينهما وتعين عليه النظر اليهما من منظور الشبيه لا النقيض وتغليب فكرة الشراكة في العلاقة بين التحكيم والقضاء إذ في وجود أيهما ما يزكي وجود الآخر ويدعمه، لا ما ينفيه أو يضعفه ومن هنا وجب أن يكون التحكيم قويا بنفسه لا بضعف القضاء، فالقضاء بالتحكيم يبقى والتحكيم بالقضاء يقوى.
و ادراكا لكل ذلك من غرفة تجارة وصناعة أبوظبي كذراع اقتصادي فعال لإمارة أبوظبي في توفير ممكنات الاقتصاد المستدام، فقد اطلقت الغرفة مركز أبو ظبي للتوفيق والتحكيم التجاري عام 1993 ليكون بذلك اول مركز تحكيم خليجي.
ويقوم المركز الان وفي محطة انطلاقه الثانية وبدعم من غرفة أبوظبي للمركز بوصفه مؤسسة وطنية مهنية متخصصة دائمة وغير ربحية بغرض تسوية المنازعات التجارية ومنازعات الاستثمار المحلية والدولية بالوسائل البديلة مثل التوفيق والتحكيم باستقلال عن أي جهة، يقوم بتحديث وتطوير بنيته الداخلية وآلية عمله كجهاز قضاء بديل غير ربحي وكمنارة للعدالة البديلة و قسيم لها، قضاء تغلب فيه العدالة على القانون.
ولما كان التطور الجاري قد أفصح عن حاجة المركز إلى قواعد تتجاوز المحلية تتميز بإمكانية تطبيقها عالمياً وبانسجامها مع النظامين القانونيين المدني والعام ( Common Law/Civil Law ) وبما يوفر لمجتمع الأعمال المتمثل في الشركات المحلية والإقليمية والعالمية في مختلف أنحاء العالم وكذلك للمحامين والمُحكمين الدوليين، مجموعة شاملة وعصرية من قواعد وإجراءات التحكيم، فقد استتبع ذلك ايلاء أهمية خاصة لإعداد قواعد اجراءات جديدة تناسب المرحلة الحالية تم اعتمادها بالفعل لتدخل حيز النفاذ اعتبارا من "العشرين من أكتوبر" عام 2013، وقد روعي في اعداد لائحة قواعد الاجراءات الجديدة التزامها بالمقارنة المعيارية و مواكبتها لأفضل الممارسات المتبعة لدى مراكز التحكيم الكبرى في العالم فضلا عن اعتماد نصوصها لأهم الافكار الواردة بإجراءات التحكيم الدولية الصادرة عن لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي " اليونسترال " سواء في القواعد الصادرة عنها سنة 1976 المعدلة سنة 2010 أو في القانون النموذجي للتحكيم الذي أعدته تلك اللجنة سنة 1985 المعدل سنة 2006، وهو ما جعل القواعد الجديدة لمركز أبوظبي المستمدة من " اليونسترال " تتسم بالمرونة والبساطة وسهولة الفهم والتطبيق والتحديد الكافي للالتزامات الاجرائية لكلا الطرفين.
انها خطوة أولى في الاتجاه الصحيح يعقبها خطوات.
ومن ناحية أخرى وايمانا من المركز بأنه ورغم أهمية التحصيل العلمي النظري الا أنه لا غنى عن اكتساب الخبرات وتنمية القدرات المهنية الخاصة بالتدريب والتأهيل، فالمؤكد أننا لا نستطيع تعلم السباحة من الكتب. ولأنه قد آن الأوان لكي يصنع المحكمون في الضمير المجتمعي مكانة متميزة تماثل مكانة القضاة، ولأن كفاءة المحكم وسلوكه المهني أساسيان في التحكيم فقد اهتم المركز بتأهيل المحكمين والخبراء وذلك بإعداد برامج تدريب نوعية خاصة اختير لتنفيذها عدد من الخبرات والكفاءات المشهود لها في هذا المجال، كما مد المركز أواصر التعاون مع العديد من الشركاء خاصة مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي ينفذ معه في أبوظبي وعلى نحو دائم البرنامج المتكامل لتأهيل واعداد المحكمين الخليجيين، وهو ما يوفر للدولة كوادر من المحكمين المواطنين مطعم بعناصر وخبرات أجنبية بقصد إنشاء صناعة تحكيم وطنية محلية مميزة.
كل ذلك من شأنه أن يحقق للمستثمر ما يصبو اليه من استشراف ويقين قانوني جاذب وبما يسبغ على المناخ الاستثماري في إمارة أبوظبي قيمة مضافة. |